الله على عين الحسود!

بقلم: محمد شذوان

أيها الحاسد، كم هو عجيب هذا الكون الذي نعيش فيه! صور النعم تتوالى أمامنا وكأنها براثن من نور، تتلألأ في عيوننا كما لو كانت حياة نبحث عنها، تُعرض أمامنا كما تُعرض الزهور على أطراف الطريق، تلمع في العيون فتثير الشهوة في القلوب التي لا تفقه غير الحسد، تنسى أن كل زهرة لها ثمن يدفعه صاحبها في صمت.

وأنت، ماذا عنك؟ كيف تبرر لنفسك نشر صورتك مع كل نعمة، وكأنك تعرض للعالم ما تملكه لتُثير قلوب الآخرين، لتجذب الحسد إليك عن عمد؟ لا تأبه بتأثيرها على الآخرين، وتظن أن الكون يجب أن يدور حولك وحول نعمتك، وكأنك الوحيد الذي يستحق أن يُنعم عليه. تظن أن النعم التي بين يديك أصبحت حقًا لك فقط، وأنت الذي تُقرر متى تُظهرها ومتى تخفيها.

لكن، هل تعلم أن الحسد ليس في أن ترى نعمة الآخرين، بل في أنك لا تجد راحة في قلبك إلا إذا انتزعت منها ما يملكه غيرك؟ أليس هذا ما تفعله حين تعرض كل شيء أمام الناس، وتغرقهم في صورك وكأنك تقول لهم: "انظروا، هذا ما أملك، فهل تملكون مثله؟" في حين أن الحاسد الحقيقي هو من لا يقوى على رؤية نعمة لغيره حتى لو كانت أقل وأسبط مما يملك، ويعتقد أن تلك النعمة قد سلبت منه ما لم يفقده.

السعادة -أيها الحاسد- ليست في أن تجمع كل شيء، بل في أن تملك القدرة على أن ترى ما تملكه وكأنه كل شيء. السعادة ليست في السباق، بل في أن تتوقف قليلاً لتشعر بكل ما حولك، لتكون في مكانك وفي زمنك كما أرادك الله. لا تبحث عن السعادة في ظل الآخرين، بل في نور قلبك الذي لن يُطفئه شيء، طالما أنه يرتوي من الرضا.

يا رب، نسألك في صمت، كما يسأل الظمآن الغيث في أرضٍ جرداء: "قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ * مِنْ شَرِّ مَا خَلَقَ * وَمِنْ شَرِّ غَاسِقٍ إِذَا وَقَبَ * وَمِنْ شَرِّ النَّفَّاثَاتِ فِي الْعُقَدِ * وَمِنْ شَرِّ حَاسِدٍ إِذَا حَسَدَ."

يا من تدرك سرّ ما في الصدور، احفظ أرواحنا من شر الحسد بعينك التي لا تنام، واملأ قلوبنا بما يغنيها عن كل ما سواه.

#من_خواطر_شذوانية